الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

السبت، 26 سبتمبر 2015


محمد علي حسن كركلاّ... شاعر و فنّان تشكيلي بارز...من مدينة الشّمس بعلبك...
مع تحيات الكاتب الفنّان التّشكيلي حسين أحمد سليم...

الأربعاء، 23 سبتمبر 2015


مشوار المحبّة و السّلام

أسس و مفاهيم

بقلم: حسين أحمد سليم

تعتبر المحبة في مفاهيم المسارات الإنسانيّة في قمّة الفضائل و الأخلاق العظيمة، تلك التي وصّف فيها الله رسوله و نبيّه محمّد بن عبد الله بالخلق العظيم... فالمحبة في مفهومها الإنسانيّ و الرّوحيّ، هي الفضيلة الأولى في مقوّمات الشّخصيّة الإنسانيّة، بل هي مجاميع كلّ الفضائل في كينونة الإنسان... و هي المدخل الأقوم، و الصّراط الأفضل، و الطّريق الأصدق، لريادة مسارات السّلام الفعلي، المنشود عمليّا في هذا العالم الإنسانيّ الذي ضاق ذرعا بالصّراعات و الحروب و البغضاء و الإعتداءات و الإغتصابات و السّرقات و اللصوصيات و الجرائم و القتل و التّدمير... و السّلام ما هو إلاّ سلوك حيوي معيشي، ينبع من قيم المحبّة في المجتمع الرّاقي، و جميع الأديان السّماويّة دعت للسّلام، و إختار الله عزّ وجلّ لنفسه إسم السّلام... و التّحيّة بين العرب قبل الإسلام، كانت "السّلام عليكم"... و كانت تعني عدم الحرب و الإستقرار بين القبائل و العشائر العربيّة... و جاء الإسلام ليدعو النّاس للعمل بنفس التّحيّة،  و تحيّة "السّلام عليكم" هي تعبير آرامي قديم، وردت في العهد القديم من الكتاب المقدّس، و كانت مستخدمة في زمن الأنباط في البتراء... و قد وردت في بعض آيات القرآن الكريم، على لسان السّيّد المسيح، في قوله: "السّلام عليّ يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيّا" و أمّا في بقيّة الأنبياء و الرّسل، فيقول القرآن الكريم: "سلام على نوح" و " سلام على إبراهيم" و موسى و إبراهيم و موسى و هارون و آل ياسين و سلام على المرسلين"...

و الوصيّة العظمى في النّواميس الإلهيّة، هي العمل بالمحبّة، أيّ أن يُحبّ الإنسان الله إلهه من كلّ قلبه، و من كلّ فكره، و من كلّ وجدانه و من كلّ قدرته... و يُحبّ قريبه كنفسه، و بهذا تتعلّق جميع النّواميس الإلهيّة و رسالات الرّسل و الأنبياء... و لقد جاء جميع الرّسل و الأنبياء إلى هذا العالم، لكي ينشرون المحبّة، المحبة الباذلة المعطيّة، محبّة الله للنّاس، و محبّة النّاس لله، و محبّة النّاس لبعضهم البعض...

وهكذا يجب أن يتوفّر في الخلق الإنسانيّ حبّ بعضهم نحو بعض... و بهذا نحبّ الله حقّ الحبّ، و نحبّ الخير بحقّ... و نطيع الله من أجل محبّتنا له، و محبّتنا لوصاياه و محبّتنا لبعضنا البعض... و تربطنا بالله سبحانه و تعالى علاقة الحبّ، لا علاقة الخوف. فالخوف يربّي عبيدًا، أمّا الحبّ فيربّي الأبناء، و تبدأ علاقتنا مع الله بالمخافة و لكنّها يجب أن تسمو و تتطوّر حتّى تصل إلى درجة الحبّ، و عندئذ يزول الخوف من صدورنا... و يجب علينا ألاّ نخاف الله... ذلك لأنّنا نحبّه، و الحبّ يطرح الخوف إلى الخارج من كينونتنا...

 والإنسان الذي يصل إلى محبّة الله بحقّ، لا تقوى عليه وساوس الشّياطين مهما تعاظمت... تحاربه الشّياطين من الخارج، و لكن تتحطّم كلّ سهامهم على صخرة محبّته... فالمحبّة لا تسقط أبدًا...


و قال النّبي سليمان الحكيم في سفر النشيد: " المحبة قوية كالموت... المياه الكثيرة لا تستطيع أن تطفيء المحبّة"... و لذلك أحبب و أفعل بعد ذلك ما تشاء... و من مناجاة داود النّبي لربّه، قال: " يا ربّ أيّ عبادك أحبّ إليك حتّى أحبّه بحبّك  فقال الله عزّ وجّل، أحبّ عبادي إليّ، تقيّ القلب، نقيّ اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبّني، و أحبّ من أحبّني و حبّبني إلى خلقي، فقال داود: يا ربّ إنّك تعلم أنّي أحبّك، و أحبّ من يحبّك، فكيف أحبّبك إلى خلقك، قال يا داود ذكّرهم بآلائي، و نعمائي و بلائي"...

 وقد بلغ من أهمّيّة المحبّة أنّها غدت إسمًا لله تعالى... الله محبّة، من يثبت في الله، و الله فيه... و إنّ المحبّة في المفهوم الإنساني الرّوحي، هي قمّة الفضائل جميعًا للإنسان العاقل السّويّ... و هي أفضل من العلم، و أفضل جميع المواهب الرّوحيّة، و أفضل من الإيمان و من الرّجاء...

 و قد ورد عن بعض القدّيسين، أنّ من يتكلّم بألسنة النّاس و الملائكة، و لكن ليس له محبّة، فقد صار نحاسًا يطنّ أو صنجًا يرنّ، و إن كان له نبوءة، و يعلم جميع الأسرار و كلّ علم، و إن كان له كلّ الإيمان حتّى ينقل الجبال، و ليست له محبّة، فليس شيئًا...

فالعلم ينفخ، و المحبة تبنى... و الدّين في جوهره ليس ممارسات و لا شكليات و لا فروضًا، و لكنّه حبّ في الله تعالى... و على قدر ما في قلب الإنسان من حبّ لله و حبّ للنّاس و حبّ للخير، هكذا يكون جزاؤه في اليوم الأخير... و إنّ الله لا تهمّه أعمال الخير التي يفعلها النّاس، إنّما يهمّه ما يوجد في تلك الأعمال من حبّ للخير و من حبّ لله و من محبّة للنّاس خالصة لا تشوبها شائبة...

فهناك أشخاص يفعلون الخير ظاهرًا و ليس من قلوبهم، و هناك أشخاص يفعلون الخير مجبرين من آخرين، أو بحكم القانون، أو خوفًا من الإنتقام، أو خوفًا من العار، أو خجلاً من النّاس... و هناك أشخاص يفعلون الخير من أجل مجد ينالونه من النّاس في صورة مديح أو إعجاب... كلّ هؤلاء لا ينالون أجرًا إلاّ إن كان الحبّ هو دافعهم إلى الخير في سبيل الله و خلق الله...

 لذلك ينبغي أن نخطّط بكلّ فضيلة بالحبّ، و نعالج كلّ أمر بالحبّ، و أن يكون الحبّ دافعنا، و يكون الحبّ وسيلتنا، و يكون الحبّ غايتنا...و لتصر كلّ أمورنا في محبّة الله و محبّة النّاس... و الحبّ في حقيقته الجوهريّة يدخل في كلّ الفضائل... كما ينبغي أن يدخل الإتّضاع في كلّ فضيلة، لكي يحفظها من الزّهوّ و الخيلاء و المجد الباطل، كذلك ينبغي أن يدخل الحبّ في كلّ فضيلة، لكي يعطيها عمقًا و معنى و حرارة روحية...

فالصّلاة مثلا هي إشتياق القلب لله، و هى تعبير عن الحبّ الدّاخلي لله و خلق الله... و هو ما قاله داود النّبي في مزاميره: "يا الله أنت إلهي، عطشت نفسي إليك إلتحقت نفسي وراءك... كما يشتاق الأيّل إلى جداول المياه، كذلك اشتاقت نفسي إليك يا الله... محبوب هو إسمك يا ربّ، فهو طول النّهار تلاوتي"... "وجدت كلامك كالشّهد فأكلته"...

 و الذّهاب إلى بيت الله، يقول داود النّبي في مزاميره: "مساكنك محبوبة، أيّها الرّبّ إله القوّات... تشتاق و تذوب نفسي للدّخول إلى ديار الرّبّ"...

 إذن فليست الصّلاة فقط هي علاقة حبّ، و لا الذّهاب إلى بيت الله فحسب، و إنّما العبادة كلّها... إنّ العبادة ليست هي حركة الشّفتين بل القلب، إنّها حركة القلب نحو الله... إنّها إستبدال شهوة بشهوة: ترك لشهوة العالم، من أجل التعلق بشهوة الله في سبيل الخير...

 كذلك خدمة الله، و السّعي لخلاص أنفس النّاس... كلّها أعمال حبّ... فالخادم هو الإنسان الذي يحبّ النّاس، و يهتمّ بمصيرهم الأبديّ، و يسعى إلى خلاص نفوسهم. إنّه كالشّمعة التي تذوب لكيّ تضئ للآخرين دروبهم...

 لذلك كلّ إنسان يخدم الله، عليه أن يتعلّم الحبّ، قبل أن يخدم النّاس... فالنّاس يحتاجون إلى قلب واسع و صدر رحب و عقل مقلبن و قلب معقلن و وعي باطنيّ و عرفان ذاتيّ، يحسّ إحساسهم، و يشعر بهم و يتألّم لآلامهم، و يفرح لأفراحهم، و يحتمل ضعفهم، و لا يحتقر سقطاتهم، بل أيضًا يحتاجون إلى قلب يحتمل جحودهم و صدودهم و عدم اكتراثهم... و بالحبّ نستطيع أن نربح النّاس من حولنا...

 و الإنسان الذي يعيش بالحبّ، عليه أن يحبّ الكلّ... فإنّ القلب الضّيّق هو الذي يحبّ محبّته فقط، أمّا القلب الواسع فيحبّ الجميع حتّى أعداءه من حوله... و هو ما قاله السّيّد المسيح عليه السّلام: "أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، و صلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم"...

أيّها الأخوة، أنظروا إلى الله تعالى الذي تشرق شمسه على الأشرار و الصّالحين، و تمطر سماؤه على الأبرار و الظالمين... لذلك علينا أن نحبّ الكلّ، و لا نضيق بأحد و نأخذ درسًا حتّى من الطّبيعة... نتعلّم من النّهر الذي يعطى ماءه للكلّ، يشرب منه القدّيس، كما يشرب منه الخاطئ... و أنظروا إلى الوردة كيف تعطى عبيرها لكلّ من يعبر بها، يتمتّع برائحتها البارّ و الفاسق، حتّى الذي يقطفها، و يفركها بين يديه، تظلّ تمنحه عطرها حتّى آخر لحظة من حياتها...

تعالوا أحبّتي و أخواني و أصدقائي، تعالوا نعيش معًا بالحبّ، و أقصد به الحبّ العملي، لا نحبّ باللسان و لا بالكلام، بل بالعمل و الحق و الوعي و العرفان... لأن كثيرين قد يتحدّثون عن الحبّ، و أعمالهم تكذّبهم...

و أهمّ ما في الحبّ هو البذل، و أعظم ما في البذل هو بذل الذّات... فلنحبّ النّاس جميعًا، لأنّ القلب الخالي من الحبّ، هو خال من عمل الله فيه، هو قلب لا يسكنه الله... و إن لم نستطع أن نحبّ إيجابيًا فعلى الأقل لا نكره أحدًا. فالقلب الذي توجد فيه الكراهيّة و الحقد هو مسكن للشّيطان... و إن لم نستطع أن نحبّ النّاس، فعلى الأقل لا نكرههم، و إن لم نستطع أن ننفع النّاس، فعلى الأقل لا نؤذيهم...

 فليعطنا الله محبّ البشر، الذي أحبّ الكلّ في عمق، أن نحبّ بعضنا بعضًا، بالمحبّة التي يسكبها الله في قلوبنا... لأنّ المحبة هي قوت القلوب، و غذاء الأرواح، و هي الحياة التي من حُرمها فهو في جملة الموات، و هي النّور الذي من فقده فهو في بحار الظّلمات، و هي الشّفاء الذي من عَدِمه حلَّت به الأسقام، و هي اللذّة التي من لم يظفر بها فعيشه كلّه هموم و آلام... و ما الإنسان إلاّ عقل يدرك ، و قلب يُحبّ... و إنّه لا إيمان لمن لا محبّة له، فالإيمان و الحبّ متلازمان، تلازم الرّوح و بالجسد، فما قيمة الجسد من دون روح كذلك ما قيمة الإيمان من دون حبّ... و بالسّلام المبني على المحبّة، تُبنى الحياة التي من أجلها كان الإنسان، فما أجمل السّلام و ما أروع كلمة السّلام في جوهرها و فعلها الميداني، فالسّلام كلمة حلوة و نغمة عذبة تطرب لها الآذان و تسعد لها القلوب، لأنّ السّلام إسم من أسماء الله الحسنى، و هذه الكلمة في الحقيقة تعني الأمن و التّسامح و الرّخاء و الإستقرار...

مشوار المحبّة و السّلام

 بقلم: حسين أحمد سليم

أيّها الأحبّة... خذوا السّلام من رحم المحبّة، فالمحبّة هي التّعبير العذب للسّلام في معتركات الحياة... و هي المحتوى الأسمى للمسارات الحياة. فالمحبّة طاقة الحياة القويّة و السّامية... تتفتّح زهرة السّلام في الحياة من المحبّة و تشعّ الحياة بالمحبّة و السّلام في كلّ مكان و زمان...

تعبّر الحياة عن ذاتها بالمحبّة و السّلام... و مجرى الحياة ما هو إلاّ موجة في بحر المحبّة و السّلام، و الحياة تعبّر عن ذاتها في أمواج المحبّة و السّلام، وبحر المحبّة يتدفّق بالسّلام في أمواج الحياة...

ينتعش القلب الإنسانيّ بالمحبّة. و ينبض بفكرة المحبّة، و أمواج الحياة تبدأ بالدّوران في بحر المحبّة بين أمواج السّلام اللطيفة... فكلّ أمواج الحياة ممتلئة من بحر المحبّة. و السّلام... و مثل هذه الحياة تستحقّ أن تُعاش.... و المحظوظن هم الذين يعيشون مثل هذه الحياة بكل محبّة و غبطة و قوّة و سلام... و الحظّ هو في متناول الجميع كي يقودوا قدرهم و يباشروا عيش الحياة بكلّ محبّة و فرح. و سلام... بحيث يستعملون وسيلة التأمّل العميق و يغوصون بعمق في قلبه...

و تكسب أمواج المحبّة عمق البحر، و يتدفّق بحر المحبّة و يملأ القلب و يرعش كل أجزاء الكيان...

و تتدفّق أمواج الحياة كلّها ممتلئة بالمحبّة، ممتلئة بالمجد الإلهي، ممتلئة نعمة، في الغبطة و السلام...

و يسير مجرى الحياة بأمواج متمدّدة من الغبطة و يتخلّل السّلام بحر المحبّة في كل أمواج الحياة... فالمحبّة عالية الحساسيّة... إنّها أكثر قوى الحياة رقّة، و الحياة هي التّعبير الأكثر ديناميكيّة للمحبّة و السّلام... فالمحبّة مرهفة، و في الوقت نفسه، هي أكثر حيويّة و قوّة... و هي موجة خفيفة لطيفة من المحبّة تهزهز مركب الحياة بالسّلام...

المحبّة تنقل الحياة من غصّة الفراق إلى غبطة التّوحّد الأبدي بالسّلام... من غصّة الفراق التي لا تحُتمل إلى الفرح اللاّمحدود للتّوحّد الأبدي، تتراقص موجة لطيفة خفيفة من المحبّة لتخلق نعمة السّلام...

فتعالوا إخواني من كلّ لون و صنف نعيشها فعليّا و واقعيّا... لنكون في قلب المحبّة و نعيش في المحبّة الكبرى بسلام آمنين... فالأمل المأمول بالمحبّة يجلب نور الفجر بعد الليلٍ الطّويل، و بالمحبّة سيجد المحبّ طريقه القويم إلى السّلام، و يتسلّل في الصمت و السكون منجذباً بسحر المحبّة اللطيفة، التي تترك الباب مفتوحاً أمام أمل الإكتمال بالسّلام في حياة أرضيّة كريمة...

 

إنّ مجد الرّقّة و القوّة هو مجد المحبّة... فمن يرغب أن يحافظ على الرّقّة في قوّة المحبّة، فقوّة المحبّة تجعل الفرد رقيقاً و حازماً، تجعله ضعيفاً في الخطأ و قويّاً في الصّواب، تجلب التّسامح في السّلطة و النعمة في جميع حقول الحياة. المملوءة بنعمة السّلام... و فيض المحبّة هو قدر السّلام لحياة الإنسان... و قلبٌ محبّ، قلبٌ ممتلئ بالمحبّة، هو المغزى الأكثر ثمناً في الحياة البشريّة لتحقيق حياة السّلام...

المحبّة تغطّي مجال الحياة بالكامل، و تندفع فوق مجال الخليقة بالكامل... و قوّة المحبّة تقود مركب الحياة بسلام إلى شاطيء السّلام فحياة السّلام في أرض السّلام... هنا و هناك و في كلّ مكان و زمان... فالمحبّة تأخذ الحياة من البيت إلى التّلّ، و من تلّ إلى آخر و تعيدها إلى البيت بسلام... المحبّة تبحث عن الحقيقة بلا ملل، و تحافظ على حيويّة الطّريق و تبهج الهدف... و القوّة السّاكنة للمحبّة لا تعرف حدود... تأخذ الحياة من وعورة الجبال إلى تدفّق البحر بأمواج السّلام...

و هناك، في سكون البرّيّة، و حتّى في صخابة الأفق، يبعث التّمدّد الفسيح للمحبّة اللامحدودة من بعيد، نسيما ملطّفا، باردا و منعشا، لينعش القلب و يخفّف غصّة الإفتراق...

و اليد الرّقيقة و اللطيفة للمحبّة تأخذ الحياة من وخذ الشّوك إلى نعومة و طراوة الورد... و على نعومة مهد المحبّة، تنتقل الحياة من وحدة البحث اليائس إلى المجالات الغنيّة للاكتمال...

ومضة خفيفة من المحبّة تشعل النّور في الوحدة... و تضرم النّار في غصّة الماضي الغابر، و تنشر نور الأمل و الفرح و الاكتمال... ومضة خفيفة من المحبّة تفعل فعل السّحر في نشر أنسام السّلام بين الأنام...

المحبّة هي أثمن هديّة من الله لنا... فتعالوا أيّها المؤمنون بالله، نستعملها لخير الجميع، لتمتلئ حياتنا بالمحبّة و السّلام، و لنُحِب و نُحَب و ننشر النّعمة فيما حولنا و السّلام... تعالوا نمنع ضجيج العالم و خشونة الحياة و نعومتها، من أن تعيق إمتلاء المحبّة فينا... و لنمتلئ نعمةً و نمتلئ نوراً و نمتليئ سلاما... فبالمحبّة و السّلام يشعّ مجد الله، و تعمّ حياتنا غبطة التّسامح الإلهي و نور محبّته، و تحوّل حياتنا إلى الحياة الأبدية للكائن الإلهيّ...

تعالوا أيها الخلق العاقل، نعمل لتنبع المحبّة فينا مثل نور الله... لأن الله هو كلّ المحبّة بطبيعته الأساسية، و كلّ السّلام الذي إتّخذ له إسما من السّلام... و المحبّة هي كل الله بتعبيرها الحقيقي... و الله هو إمتلاء المحبّة و السّلام و المحبّة هي إمتلاء الله...

المحبّة هي نور الأُلوهية، تُظهر الله في الإنسان... و المحبّة هي الحياة الإلهية في الإنسان... المحبّة في قلوبنا هي الله في السّماء... فالمحبّة في قلب الإنسان هي مقام الله على الأرض... بارك الله أولئك الذين يحملون مقام الله في إمتلاء المحبّة في قلوبهم و في نفوسهم و في بصيرتهم... و في تعاملهم مع بني جنسهم من الخلق العاقل...

تشرق الحقيقة من مياه نهر محبّة الإنسان حيث يجد بحر محبّة الله، و يتدفّق إليه، و هذا هو مجد المحبّة الذي يفتح مشوار السّلام أمام كلّ من أحبّ الله في نفسه و أحبّه الله في مساراته الإنسانيّة...

تعالوا أيّها الأحبّة نرفع حياتنا إلى مجد المحبّة، التي تُنزل السّموات إلى الحياة على الأرض، مشفوعة بالسّلام... فعذوبة المحبّة تبدأ بنا قبل الآخرين... و في عذوبة الأصدقاء و النّاس، تنمو عذوبة الحياة بالمحبّة و المحبّة تتوالد من رحمها بالسّلام بين النّاس...

وفاءً له و تخليدًا لذكراه... ندعوا جميع من يهمّهم الأمر، على العمل الجادّ، للبحث و جمع أعمال و موروثات، الرّاحل الفنّان التّشكيلي البعلبكي، المغفور له يحي علي ياغي، له الرّحمة و أسكنه الله فراديسه، و كلّ ما كتبت عنه و عن نتاجاته الفنّيّة و التّشكيليّة في الصّحافة و وسائل الإعلام المحلّيّة اللبنانيّة و غيرها، و العمل على البدء بتأسيس معرض دائم تحت إسم "معرض يحي علي ياغي" فنّان مدينة الشّمس بعلبك... و كذلك العمل الفعلي على إصدار كتاب توثيقي و وضع تمثال نصفي في ساحة عامّة يُخلّد إسمه في بعلبك و لبنان و العالم... و إحياء ذكره بمهرجان ثقافي فني سنوي من قبل من يعنون بالحضارة الثّقافيّة و الفنّيّة في بعلبك و لبنان...

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

رحل وبقيت أعماله الفنية
الفنان يحي علي ياغي
بقلم: حسين أحمد سليم آل الحاج يونس
أذكرك وأتذكرك , وأبقى وسأبقى إن شاء الله تعالى , يا معلمي الفنان التشكيلي اللبناني البعلبكي يا إبن مدينة الشمس , أيها الراحل إلى رحاب الله تعالى , ترود عالم الفن الأوسع ما بعد حدود هذه الدنيا , هناك تقيم مملكتك الفنية التشكيلة أيها التشكيلي يحي علي ياغي ...
لم ولن أنساك , وإن طال بي الغياب القسري . وأنا مكره على أمري , فالفقر المادي حطمني أي تحطيم وأنا القروي الريفي أقتات من مواسم الأرض , فلجأت إلى الجهادين الأصغر والأكبر , ليلا ونهارا , أتنقل في بلاد الله الواسعة من أجل لقمة عيشي وأبي وأمي وأسرتي ومتابعة تعليمي الديني والدنيوي ...
لم ولن أنسى أو أتناسى , أن من علمني الحب الشفيف للريشة واللون والورق والقماش , ودربني كيف أمسك الإزميل والمطرقة وأتعامل مع الحجر , وكيف أرسم وأنحت وأخلق من اللا شيء شيئا , وكيف أمسك القلم وأكتب الحروف والكلمات فالخواطر والوجدانيات والكتابات الأدبية المختلفة ... أحق بأن أخفض له جناحي محبة واحتراما وتقديرا وإخلاصا ووفاء و ... وهو أنت يا سيدي رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه ...
أحاول جاهدا أن أرسم لوحة واقعية أو رمزية أو تجريدية أو سوريالية أو ... لابتسامتك المعروفة والتي لم تفارق محياك يوما , مهما اشتدت عليك النوائب ... أجرب مرارا كي أقوم بعمل فني ما ولو بسيط , كي أرد لك الجميل الذي أسديته لي وأنا على مقاعد الدراسة وما بعدها ... أصابع يدي الحانية , ترتجف كلما أمسكت بريشتي , وشعيرات ريشتي ترفض الانغماس في الألوان الترابية أو الزيتية لترسم وجهك الطافح بالبشر ... وقلم الرسم في يدي يبكي وتنهمر دموعه قبل أن أمسك به , كأنه يقرأ دواخلي قبلي ... ولوحة الرسم القماشية أو الورقية التي علمتني أسلوب التعاطي معها , تنكمش على ذاتها وتعتصر مسامها , كلما أحست بما ينتابني نحوك ... ليبقى طيفك الأثيري الشفيف , يوحي إلي ويواكبني ويتابعني ويحرضني ليلا نهارا , وحتى في سكينتي وهدأتي ...
باعدت بيننا الأقدار القسرية في بلادي , من حروب وحروب أصابت الحجر والبشر , ولم تسلم حتى أعمدة الهياكل التاريخية التي نحب في مدينة الشمس ... فنأيت عنك قهرا ولا حول ولا قوة إلا بالله , انما بقيت أذكرك في كل ومضة وبارقة , أتخاطر بروحك الأثيرية الشفيفة وأحلم بك في كل غفوة , ترشدني وتقومني حتى في حالة النوم ... وما غبت عن خيالي قيد أنملة قط , بل كنت حاضرا في جوارحي , عند كل عمل فني قمت به حتى كتابة هذه الخواطر ... وتجسد فنك يا سيدي أيها الفنان الكبير يحي علي ياغي في كل لوحة فنية من لوحاتي المنتشرة هنا وهناك ... وأبدعت ريشتك يا معلمي العظيم في خلق أعمالي التشكيلية , ووسمتني بمذهبك الفني ومدرستك التشكيلية , فغدوت لا أتعرف إلى ذاتي إلا من خلال شخصيتك الفنية ... وإن خططت لنفسي مسلكي ومساري ومذهبي ومدرستي في ممارساتي للفنون التشكيلية والفنون الأدبية ...
كتبت كثيرا للصحافة اللبنانية , ما يناهز ربع قرن أو أكثر في شتى المجالات ... وأشرفت على إدارة البعض من الصحف والمجلات , حتى بات القراء يعرفونني من كتاباتي ورسوماتي وإن لم أشر إليها ... وهو ما علمتني ذات يوم عن كيفية الذوبان خارج نطاق الأنا , وكيفية التحرر من الأنانية والغرور ...
بحثت عنك كثيرا غداة يوم ما , تعذبت طويلا وأنا أنقب عن التراب الذي دست عليه بنعالك ... أقحمت نفسي بالمتاهات الفنية الممتدة من حدود الماء إلى حدود الماء , حاورت وقابلت وكتبت ومحصت وانتقدت وساجلت ... فما ازددت إلا شوقا ونهما في فضاءات الفنون التشكيلية والأدبية ...
حرضت ذاتي لأعرف عنك شيئا , سألت عنك كثيرا هنا وهناك وهنالك , كي أقوم بجزء بسيط من واجبي الكبير اتجاهك . لكنني سيدي صدمتني المحصلة النهائية , عندما حملت نفسي ببقايا رمقها وفنها التشكيلي والأدبي لأهديها اليك , كونك الأحق بالهدية , فغصصت غصة كبرى , وجف الرضاب في فمي , وتلعثم لساني عند النطق , وأنا في بيتك الفني الموروث , الخالي من كل أثر فني لك , وقد رمي مهملا ما تبقى من أثرك , إلا بعض صور بالأسود والأبيض , يحفظها كريمك وكريمتك في محفظة سوداء مخبأة بعيدا عن متناول الجميع , هكذا شاءت الظروف ...
التقيت في منزلك البعلبكي بكريمك زاهر , فدمعت عيناي حسرة عليك , عندما قدم لي حفيدك لأتعرف إليه , فاذا هو صورة عنك ... وفي اللحظة نفسها تعرفت إلى كريمتك جوليانا , فارتجفت أمامها دون سبب واضح , ربما لأنها تحمل صورتك تماما ... وكأنني يا سيدي في هذه اللحظة , أحسست بقرارة نفسي بالتقصير الذي فرض علي قهرا من الزمن في التاريخ والجغرافيا ...
سامحني يا سيدي ومعلمي ومدربي وأستاذي ... فاذا كنت أفتخر اليوم بما لدي من بعض الإبداع وبعض الخلق الفني , واذا كان هناك لي من شعارات وأعمال فنية تشكيلية ذائعة الصيت هنا وهناك في بلادي على أكثر من صعيد ومستوى , فالفضل يعود لك , وهذا ما يعزيني عن نفسي وتقصيري وغيابك ...
أعدك يا سيدي وأنت في رحاب الله . أن أبذل قصارى ما أملك من مقومات فكرية وفنية في سبيل مجتمعي ووطني الكبير الممتد من المحيط إلى الخليج , وأن أتابع الدرب وان كان شائكا , وأخدم عروبتي وإسلامي , بعمل فني تشكيلي ثقافي معرفي حضاري أنت قوامه . وما موسوعتي للفنون التشكيلية , وقاموسي الفني , ودليلي التشكيلي , وأعمال أخرى كثيرة ... إلا وفاء وإخلاصا لك , ولأجلك , تخليدا لمساراتك الفنية ...
آمل يا سيدي ومعلمي ومدربي , أن تمنحني فرصة من الوقت لأبرز ما عندي وفق الظروف المرحلية المناسبة , فما عندي كثير وكثير ولكن العين بصيرة واليد قصيرة ... وآمل أن تسامحني على تقصيري فأنا بشر سوي أخطيء أكثر مما أصيب وإلا ما خلقت في هذه الأرض ... وآمل أيضا أن ترحم ضعفي الموروث ... ورحمة الله عليك أيها الفنان التّشكيلي الراحل، يحي علي ياغي ...
نبذة عن حياة الفنان يحي ياغي


ولد يحي ياغي في مدينة بيروت في العام 1943 حيث كان يعمل والده في الشرطة، وهو رابع أفراد الأسرة المؤلفة من سبعة أبناء .

عاد مع أفراد أسرته إلى مدينة بعلبك , وهو طفل صغير , بعد انتهاء خدمة والده من الوظيفة , واستقر فيها نهائيا .

تلقى علومه الابتدائية والمتوسطة في مدارس مدينة الشمس بعلبك . استهواه الرسم منذ صغره , فأقام محترفا صغيرا في منزله , حيث كان يقضي معظم أوقاته في إشباع هوايته الفنية .

كان طموحه الفني كبيرا , مما دفع به للإبحار في العالم الفني للرسم , فتعرف إلى الفنان الكبير رفيق شرف وأقام صداقة مميزة معه .

دخل يحي ياغي معهد CUVDER للفنون في بيروت وقضى فيه عامين كاملين 1963 و1964 نال على أثرهما شهادة في الفنون بمعادلة إجازة .

أقام أول معرض فني له في مدينة بيروت 1964 , وأول معرض في مدينة بعلبك 1964 أيضا , وتوالت معارضه فيما بعد ... حتى بلغت سبعة عشر معرضا ما بين بيروت وبعلبك والقاهرة وألمانيا الغربية والنمسا التي كرمته بميدالية .

هذا , وقد تحدثت عنه الصحافة كثيرا وأبرزت أعماله الفنية , وأشادت بأعماله الخالدة وأثنت على فنه المميز الرائع .

تزوج من السيدة غفران ياغي في نهاية 1969 وله منها ولدان : زاهر وجوليانا .

علم الرسم والفنون في جميع مدارس بعلبك من خاصة ورسمية , وكذلك مارس التربية الفنية في مدارس بيروت , وخاصة الثانوية الأهلية في برج البراجنة في أواخر الستينات .

أعد دراسة فنية تعتبر فريدة من نوعها , لتعليم الأطفال الحروف والأرقام عن طريق الرسم . وكان على اتصال بمركز البحوث والتوجيه لتبني هذه الطريقة .

أقام آخر معرض له في بعلبك خلال تموز 1981 ومع نهاية المعرض بدأ المرض يتسلل إليه , ورغم الداء ظل مثابرا على عمله وقد أنجز عدة أعمال كان قد بدأ بها قبل المعرض .

داهمته المنية في 9 أيار 1982 بعد أن قضى فترة في مستشفى الجامعة الأميركية , مخلفا ثروة فنية متنوعة .

كان الفنان يحي ياغي وديعا لطيفا يحب كل الناس , على كثير من التواضع والطبيعية والبعد عن الكبرياء والتعالي والتكلف .